Pages


حبال من رمل

بتاريخ 18:42 بواسطة شجرة
بين يدي المقال:
نواصل في هذه الحلقة الحديث في "لغة وسياسة".. الحابل والنابل. وهذه هي الحلقة الخامسة. وعنوانها هو عنوان كتاب ايفلاند: "حبال من رمل" وهذه هي الحلقة الثانية في هذه المقالة. وقد وجدت الكتاب مهماً، وإن كان أصبح تاريخاً، لكن فهم الظاهرة يقتضي العودة إلى الجذور والتكوين والتخلق: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" العنكبوت 20. ونبتدئ من تاج العروس.
 
1- "الحبل" في تاج العروس.
قال مرتضى الزبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس": ح ب ل: الحبل: الرباط. وذكر التاج جموعه كالآخرين وهي أربعة: "أحبُل وأحبال وحبال وحُبول" كذا في المحكم (وزاد بعضهم حبائل) قال أبو طالب بن عبد المطلب (صرح به وقد تركه اللسان وقال أبو طالب فقط)، وجاءت رواية الزبيدي مختلفة عن اللسان فقال
:
أمن أجل حبل لا أبا لك صِدته   بمنسأة قد جاء حبل بأحبل
وعلى هذه الرواية لا مشكلة في الرفع والنصب في "حبلك أحبلاً".. كما مر في اللسان. وفي الحديث: "حبائل اللؤلؤ" كأنه جمع حبل على غير قياس، أو هو تصحيف، والصواب: "جنابذ"، بالجيم والذال، هكذا صرح به أكثر أهل الغريب، وتبعهم أكثر شراح البخاري. قال شيخنا: والصواب أنها رواية صحيحة (أي حبائل)، كما حققه عياض في المشارق (مشارق الأنوار)، وصححه الحافظ ابن حجر وغيره. ثم ذكر الزبيدي من في أسمائهم اسم "حبْل" أو مشتقاته فقال: "أبو جعفر أحمد بن محمد بن حبْل" (ليس حنبل) النحْوي، قاضي مالقة (بالأندلس) (720هـ وما بعدها) و"ربيعة بن حاتم بن سنان الحبْلي المصري"، محدث وولده محمد بن ربيعة، سمع منه أبو الحجاج المِزّي الحافظ. وأخوه عبد الله بن حاتم سمع منه المنذري. و"حِبال بن رفيدة التميمي التابعي" وهو "حبال بن أبي الحبال"، يروي عن الحسن، وعنه أبو إسحق السَّبيعي، نقله ابن حبان، زاد الحافظ، وروى عن عائشة أيضاً. و"أبو إسحق الحبّال" محدث مصر وحافظها في زمن الفاطميين. وجماعة آخرون يعرفون بذلك، وهو (أي الحبّال) الذي يفتل الحبال ويبيعها.

وَحَبَله بحبله حبْلاً: شده به. أي بالحبل. قال: "في الرأس منها حِبُّه مَحبُول"
وفي المثل: "يا حابل اذكر حلاً" أي يا من يشد الحبل اذكر وقت حله. والحبل: الرسن. قال تعالى: "في جيدها حبل من مسد" والمحبّل بمعنى الحبل. عن ابن سيدَه. وبه فُسّر قول رؤبة (العجّاج): "كل جُلال يملأ المحبّلا" والجمع حبول. كما في المحكم (لابن سيده).
وفي التهذيب: والجمع حبال. وفي الصحاح: يجمع على حبال وأحبُل. (ونحن نميل إلى جمع كل الصيغ فجميعها جائز حائز على القبول طالما قال به إمام من أئمة اللغة ولم نضيّق؟ ونحن مع التسمح في اللغة كالتسمح في الفقه. ويعجبنا قول "مصطفى الجوزو" عالم اللغة اللبناني المعاصر في تيسير مذاهب اللغة وتيسير الاشتقاق.. ضمن القواعد والضوابط بالطبع لكن دون تشدد!) (وسئل الشيخ عبد الله العلايلي (ت1996) علامة اللغة اللبناني عن لغة المستقبل فقال: لغة المستقبل هي اللغة الميسرة المبسطة أعني إنزال الفصحى من برجها العاجي. مجلة الأسبوع العربي عدد 2699.

والحبل: الرمل المستطيل. كما في الصحاح والمحكم. زاد الأزهري: المجتمع الكثير العالي، وكذلك حبال الدهناء: رملات مستطيلات. وفي حلقة قادمة سأعرف بكتاب للمخابرات الأمريكية: حبال من رمال.
ونواصل الرحلة مع تاج العروس: ويقال: جاؤوا حَبْلَي زَرود، وهما رملتان مستطيلتان. ومن المجاز (أي في استعمال كلمة الحبل ومعناها): "العهد والذمة والأمان. يقال: كانت بينهم حبال فقطعوها: أي عهود وذمم" (وأشهر من يقطع ما أمر الله به أن يوصل هم بنو عمنا بنو صهيون بنو إسرائيل بنو(..) وهذه بعض الآيات: "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون" البقرة 27 والرعد 25 قريبة منها. "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم.." المائدة13. وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً.." آل عمران 103 أي بعهده.
وقال الراغب: واستعير للموصِّل ولكل ما يتوصل به إلى الشيء قال: "واعتصموا بحبل الله" فحبله: هو الذي معه التوصل إليه، من القرآن والنبي والعقل وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره، ويقال للعهد: حبل. وقال أبو عبيد: الاعتصام بحبل الله: اتباع القرآن وترك الفرقة، وإياه أراد ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: "عليكم بحبل الله فإنه كتابه"ز
قال: والحبل في كلام العرب يتصرف على وجوه: منها العهد: وهو الأمان. فقال رضي الله عنه أي ابن مسعود: عليكم بكتاب الله فإنه أمان لكم وعهد من عذاب الله. وقوله تعالى: "إلا بحبل من الله وحبل من الناس" قال ابن عرفة: أراد إلا بعهد من الله وعهد من الناس، فتلك ذلتهم، تجري عليهم أحكام المسلمين"أ.هـ.
قول ابن عرفة: فتلك ذلتهم. يقصد إلا بحبل من الله وحبل من الناس. بل هو المخرج من ذلتهم ولو مؤقتاً أو ظاهرياً. لا أنه هو ذلتهم. فهذا عكس للمعنى. وإن قيل: قوله: "فتلك ذلتهم، تجري عليهم أحكام المسلمين" وليس في وارد ما أنت فيه. قلت: أين في الآية تجري عليهم أحكام المسلمين؟ وهل جريان أحكام المسلمين ذلة؟ نحن لا نريد إذلال أحد إذا طبقنا عليه أحكامنا، وأين نحن من قول عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
إنما معنى الآية يا أخا العرب والعزة: أن هؤلاء المجرمين مفروضة عليهم -من الله- الذلة النفسية الداخلية والصغار مهما علوا وبلغوا وتملكوا وتسيدوا. وهذه الذلة ترفع جزئياً أو ظاهرياً أو خارجياً بحبل من الله، وهذا كان لأنبيائهم ومن هم على نهج أنبيائهم. وقليل ما هم في قليل من الزمن هم.
أما الذي قد طال أمده فحبل الناس (والله أذن أن يكون في كونه ووفق سننه هذا الأمر. والسنن لا تتعطل لعيون أحد ولا تحابي أي أحد! وليست منحازة لأحد، فكيف تنحاز إلى أحط أحد.. وهو هذا العدو الألد؟! وحبل الناس متجل في مسارعة كل دول العالم –تقريباً- في حراستهم وخدمتهم. وأكتب هذه الكلمات، وسفن الحرية لكسر الحصار تحصرها وتحاصرها اليونان خدمة لعيون إسرائيل. لأنها تعلم أن صندوق "النكد" بيدهم، والبنك الدولي بيدهم "والقرود" بيدهم.. "وأبو كمونة" بيدهم.. والشرعية الدولية بيدهم وجل الزعماء بيدهم فلم لا يعملون لهم وفي خدمتهم؟ "غلت أيديهم" جميعاً.
وقال الراغب: فيه تنبيه (أي قوله تعالى: "إلا بحبل من الله وحبل من الناس") إن الكافر يحتاج إلى عهدين: عهد من الله، وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله، وإلا لم يقر على دينه، ولم يجعل في ذمة، وإلى عهد من الناس يبذلونه".
(قلت: وهذا أيضاً غير مسلم. فالآية الكريمة لا تتكلم عن الكفار عموماً إنما تتكلم عن "الأكفر"، من بني إسرائيل، وإنهم كشعب، وعلى الجملة، ضربت عليهم الذلة، وتشربوها فأصبحت كأنها فطرة فيهم أو غريزة غرزت فيهم. وهل لذلك علاقة بإذلال فرعون لهم عبر أجيال حتى تشربوا الذل وورثوه توريثاً اجتماعياً لا جينياً –بالطبع-. وإما لشعورهم بالقلة والأقلية وكره الناس لهم جعلهم يشعرون بالحصار والذل والصغار.

وإما لشعورهم بفساد أخلاقهم وفساد نفسياتهم وسوء طوياتهم ورداءة طباعهم وسوء معتقدهم في الله، وعلمهم بإفسادهم وتلويثهم الذمم، وتراكم خطاياهم جعلهم هذا كله يشعرون بالذل والصغار. المهم أن الكلام ليس كما قال: "ليس يقر على دينه إلا أن يكون من أهل كتاب" وهل نحن نملك أن نقرّ أو لا نقرّ ألف مليون هندوسي يعبدون البقرة؟ ونملك أن نقرّ أو لا نقر ألف مليون آخرين يعبدون بوذا، وألف مليون ثالثين لا يعبدون إلهاً قط في الصين؟ فما هذه الأقوال؟ وما أحوجنا إلى مراجعة التراث وغربلته من التراب..).
ومع الحبال "وحبل الناس" الذي "يبرطع" في حمايته بنو صهيون لنا عود يكون إن شاء الله ولم تدركنا المنون.

2-    الحلقة الثانية في التعريف بكتاب حبال من رمل/ قصة إخفاق أمريكا في الشرق الأوسط.
يقول المؤلف "ايفلاند" في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان: "سِفر التكوين": (ولاحظ التأثر الثقافي باليهود) "في 8/1/1918 أعلن الرئيس وودروويلسون عن خطة من أربعة عشر بنداً ترمي إلى إيصال الدول المتحاربة إلى سلام بدون منتصرين. (لاحظ أنها خطة أمريكا في ليبيا!)" ثم ذكر مساعدات أمريكا لهذه الدول (أوربا) والبلدان التي كانت تحت الحكم العثماني (طبعاً مع الفوارق في المواقف والمساعدات!) وذكر أن حلفاء أمريكا (يقصد بريطاني وفرنسا) كانوا يتلهفون لاقتسام هذه البلدان، (ليست أمريكا بلد أخلاق وإنما هي تريد هذه الدول لنفسها!) لاقتسامها بعد تخليصها من النفوذ العثماني. (وهو الذي كان على كل حال!) وقبل الحلفاء مباديء ويلسون بدافع الحصول على مساعدات أمريكية من أجل تعمير ما هدمته الحرب. وتبنت آنذاك عصبة الأمم هذه المبادئ. (ما زالت هيئة الأمم المتحدة تصنع الشيء ذاته تتبنى ما تتقدم به أمريكا!) تبنت (العصابة) أو عصبة الأمم الوصاية على دول الإمبراطورية العثمانية، ومراقبة انتقالها إلى الاستقلال. (كما راقبت انتقال العراق بعد صدام إلى الديموقراطية والحرية والتقدم الاقتصادي!!)
وكان الحلفاء قبل ذلك قد اقتسموا فيما بينهم أماكن النفوذ، وصاغوا العديد من الاتفاقيات حول العديد من القضايا، وذلك لتأمين مصالحهم، وقد حددت بريطانيا وفرنسا مطالبهما في اتفاقية سايكس-بيكو. مستهدفين إنشاء دولة عربية واحدة، أو كونفدرالية ضمن نفوذهم (نحن لم نكن ندري ما الذي يجري. كنا نرقص ولا ندري أين نحن ولا كيف تتجه الأمور!)
ومع أن بريطانيا منحت حق المرور إلى الموانئ: حيفا وعكا فإن فلسطين (لاحظ الاهتمام!) قد وضعت تحت نوع من الإشراف العالمي (خلي بالك من العالمي!) لتأمين الدخول إلى الأماكن المقدسة: المسيحية والمسلمة واليهودية.. (هم لا يضعون يدهم في شيء إلا أفسدوه! وهل كانت هذه الأماكن ممنوعة على أحد ممن ذكر. ولاحظ النص على الثلاثة بلا سيادة يعني نعومة وبساطة: سحبت منا السيادة وعظم الله أجركم!).

وكمكافأة للعرب لاشتراكهم في الحرب ضد تركيا(!!) ضمنت بريطانيا الاستقلال للأسرتين المتنازعتين في شبه الجزيرة العربية (لاحظت الصياغة الدبلوماسية الزئبقية المدهشة!): الوهابيين تحت حكم الأمير عبد العزيز. (لاحظ!) والهاشميين تحت حكم الأمير حسين.
ولم تكن وعود بريطانيا لهاتين الأسرتين متناقضة فحسب، ولكن تعهداتها بأن يحكم فيصل دولة عربية عاصمتها دمشق تعارضت تماماً مع معاهدة س.ب. التي قضت بنودها أن تكون سوريا ضمن منطقة النفوذ الفرنسي.

وأخلّت بريطانيا سنة 17 بوعودها للعرب كذلك، وأعلنت وعد بلفور وبذلك برهنت على أنها تنظر نظرة رضى لتأسيس "وطن قومي" للشعب اليهودي في فلسطين. بشرط أن لا يسيء ذلك إلى الحقوق المدنية والدينية والأوضاع السياسية لجماعات السكان الأصلية من 
غير اليهود. (لاحظت الصياغة الشيطانية! فأولاً جماعات السكان الأصلية. هل تذكر سكان استراليا الأصليين وسكان كندا الأصليين؟ هذا هو حال الهنود السمر –يعني نحني يا خيوه-. وثانياً هل لاحظت عبارة من غير اليهود، يعني أن الأصل هو اليهود ووجود الآخرين هو العارض والطارئ. وهل لاحظت ثالثاً: الحقوق المدنية وهذه مضمونة نظرياً لكل "الموجودات"، وهل لاحظت "الأوضاع السياسية" هل لها معنى محدد؟ ومن الذي يشرحه إن اختلفنا؟ حقل ألغام والسلام ووقعوا يا كرام وامسحوها بهاللحية!)
ونشرت الحكومة الروسية الاتفاقيات السرية لاقتسام المنطقة. ولتتلافى بريطانيا ثورة الشعوب جددت الوعود بمنح العرب استقلالهم.

وفي سنة 18 أعطى ويلسون العرب الذين كانوا تحت حكم العثمانيين ضمانات بحياة حرة واستقلال ذاتي (فاهم شي؟!) وصار لدى العرب مسوغ قوي للاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستكون الضامن لاستقلالهم الذي نشدوه بعد أربعمئة سنة قضوها تحت الحكم العثماني. (هم مشفقون علينا من هذه القرون من الظلام فنقلونا إلى ظلم أظلم!) (وربما يكون ما قال هذا من توهم العرب أن أمريكا تضمن دولهم واستقلالهم، ربما يكون العرب قد صدقوا هذا أو توهموه، وهذا من نجاح مسلسل الخداع، ووادي الثعالب..).

وفي الفصل الثاني الذي بعنوان: "رحلة في أعماق التاريخ" يتحدث عن نفسه وطفولته في ولاية واشنطن (هو من مواليد 18) ويصف حياة الهنود الحمر في بلدته. وكيف التحق هو بالبحرية. (سنة 40 التحق بالجيش في بوسطن، وسنة 41 دعي إلى مركز المخابرات.

ونقل إليها من البحرية. وقيل له إن أمريكا مقبلة على خوض حرب ولا بد من حماية الداخل فعمل مع C.I.P (وهناك فروع أخرى للسي آي أيه CIC أي المخابرات المعاكسة) على كل حال كانت مهمته مكافحة الجاسوسية. ثم يتحدث عن ضربة "بيرل هاربور" على يد اليابان. وانتهت الحرب في أوربا وعاد من مهماته هناك إلى أمريكا.

ويتكلم عن جماعات صهيونية كانت تجمع التبرعات لشراء الأسلحة للصهاينة الذين يقاتلون في فلسطين ومن لم يعطهم شتم واتهم بالنازية (عادتهم!). ثم تعلم العربية ليسافر إلى ذلك الجزء من العالم الذي باشرت فيه أمريكا للتو مسؤوليات جديدة! ونواصل في حلقة أخرى!

د.أحمد نوفل

الأكثر مشاهدة

Trending Template