Pages

افتتاحية


قانون الطوارئ: هو نظام استثنائي محدد في الزمان والمكان تعلنه الحكومة، لمواجهة ظروف طارئة وغير عادية تهدد البلاد أو جزءاً منها وذلك بتدابير مستعجلة وطرق غير عادية في شروط محددة ولحين زوال التهديد (3). في التشريعات الدولية، المتعلقة بهذا الموضوع، يرد دائماً نص يؤكد على ضرورة وأهمية تحديد الحالة في المكان والزمان، وتقيد بشروط حازمة، للحد من العسف التي قد تمارسه السلطات العرفية أو التنفيذية أو الإدارية، إزاء هذه الحالة، تحت طائلة البطلان وفقدان المشروعية، والخضوع للمساءلة القانونية والمحاسبة القضائية، لأن حالة الطوارئ حالة استثنائية وتشكل خطراً جدياً على حريات المواطنين وكرامتهم.

في سوريا:"أسد" و"غابة" و"عصابة"

وحده الجماد هو الذي لا يتأثر لمشاهد القتل والإبادة والتهجير التي تطول الإنسان في سوريا مهما كانت الدواعي والمبررات، فعندما تختلف الأديان والمذاهب والأعراق والأجناس ينتصب المشترك الإنساني الأخلاقي داعيا إلى تحكيم صوت العقل والحكمة، ومانعا من الولوغ في دماء الأبرياء واتباع سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعي ، وإذا غُيِّب ذلك المشترك فإن البشرية تنزل إلى أدنى دركات الحيوانية،ولقد كان العقَّاد مُصيبا لما عدَّ حرمان الشهداء من حقهم في العطف "خطأ في الشعور وخطأ كذلك في التفكير"1 لأن " تسديد العطف الإنساني فرض من أقدس الفروض وهو كل ما يملك التاريخ من جزاء، وهو الثورة التي يحتفظ بها الخلود"2،ولذلك فإن الذي يتفرج على محرقة سوريا ويلتمس المعاذير للقتلة هو شريك في الجريمة،وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله."3
ولكن ليس بالعاطفة وحدها يمكننا فهم ما يجري في سوريا،وحتى لا نسقط في القراءات المبتسرة،والمعالجات التي تعتمد ازدواجية المعايير وتعترف بالحق في العدل والكرامة والحرية للمنتمين لدين دون دين،أو لمذهب دون مذهب،أو لعرق دون عرق،لاسيما في هذا الزمان والسياق الذي تداعت فيه شعوب المنطقة العربية إلى استرجاع ما اغتصب منها بالترغيب والترهيب في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين والأردن والمغرب..إلخ،ولسنا مجازفين إذا قلنا:إن أهم ما اغتصب هو حق الشعوب في اختيار من يحكمها،وحقها في الاحتجاج على سوء توزيع الثروة.
يكاد الخبراء والسياسيون والدارسون يجمعون على أن الوضع في سوريا جد معقد:
أولا :من حيث التركيبة الطائفية للبلد
ثانيا :من حيث هشاشة الاستقرار في الدول المجاورة (لبنان،العراق)
ثالثا:من حيث اختلاف مصالح الدول الكبرى ذات العلاقة التاريخية بالمنطقة (روسيا،أمريكا،أوروبا)
رابعا:من حيث أثر حدوث أي تغيير في سوريا على الكيان الصهيوني
ونظرا للتعقد المذكور اعتمد النظام السوري سياسة خلط الأوراق:
أولا: خلط الأوراق على الساحة الفلسطينية واستغلال اختلافات الفصائل،بل والتدخل في تدبير تلك الاختلافات
ثانيا:خلط الأوراق على الساحة اللبنانية عبر التدخل المباشر
ثالثا:خلط الأوراق على مستوى الشعارات المرفوعة: المقاومة والممانعة
رابعا:خلط الأوراق على مستوى جغرافية المذاهب في المنطقة،بشكل لا يدري معه المرء هل التحالف مع إيران وحزب الله مثلا ينبني على أساس طائفي أم سياسي
خامسا:خلط الأوراق على مستوى مرجعية الدولة:القانون أم القرابة والطائفة
هذا الركام من الخلط يدفعنا إلى التساؤل:
أولا:ما هو الخفي وما هو المعلن في خطاب وسلوك النظام السوري:الطائفية أم القومية،الممانعة أم الموادعة.
ثانيا :من هو الحاكم الفعلي في سوريا:الرئيس أم الحزب أم الطائفة أم الأجهزة الأمنية
ثالثا:ما سر هذه الاستماتة في قمع الاحتجاجات الشعبية بأساليب برَّزَت في النذالة والوحشية والسادية.
ويحملنا السعي إلى معرفة نوع التفاعل الدولي والإقليمي مع الثورة السورية إلى التساؤل أيضا:
أولا: هل دول العشائر والعائلات في الخليج صادقة في نصرة الديمقراطية التي ينشدها الشعب السوري؟
ثانيا:ما سر تأييد الغرب المحتشم للثورة،لا سيما بعد أن استدرك الخطأ الفادح الذي وقع فيه لما فاجأته الثورة التونسية فلم يكن له سابق إعداد استراتيجي وفلسفي للتعامل معها،بل بالعكس كان له سابق تحالف "مقدس" مع الأنظمة الاستبدادية وهو الآن- أي الغرب- يسعى إلى مواكبة الأحداث على نحو يمكنة من المراقبة المستمرة لما يجري ويعتمل في المنطقة العربية والإسلامية،ولم لا استمالة الثوريين وتصييرهم أسرى لرق "إحسانه"
ثالثا:هل تحضر الحكمة أم تغيب في الموقف الإيراني من الثورة السورية وهو يعلم علم اليقين أنه يتعامل مع نظام أقلية في سوريا؟
الأقلية والأغلبية والطائفية
لقد سيطر حزب البعث على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية في سوريا منذ 1963،وتزامن ظهوره مع نجوم قرن الفاشية والنازية والنزعات القومية العنصرية،فجاء بعكس النتائج التي كان يتوخاها،وخالف الشعارات التي كان يرفعها،فقد أراد بناء الوحدة فكان هو أول ضحية للتقسيم والتشرذم بين البعث العراقي والبعث السوري،وحرم الأقليات غير العربية من الكثير من حقوقها لاسيما الأكراد الذين جردوا من الجنسية السورية بموجب إحصاء 1962 ،أراد الاشتراكية فظهرت مراكز نفوذ اقتصادي قوي أعطت الأولية للقرابة والطائفة والولاء للاستفادة من الثروة وإطلاق اليد في الموارد والمؤسسات العامة،أراد الحرية فحول"الزعيم الأوحد" سوريا إلى سجن كبير بعد فرض حالة الطوارئ منذ 1963 إلى اليوم،وتم النص على سيطرة الحزب على الدولة والمجتمع في المادة الثامنة من الدستور السوري.
وبدون معرفة التركيبة الطائفية لسوريا سيتعسر على المتتبع فهم ردود الفعل العنيفة للنظام على الحراك الثوري المنادي بإسقاط فساده واستبداده،فحسب إحصائيات 2011 فإن أهل السنة يشكلون نسبة الأغلبية بـ 72%،يليهم العلويون بنسبة 12%،يليهم المسيحيون - بمختلف كنائسهم- بنسبة 9%،ثم الدروز بنسبة 5%،ثم الإسماعيليون بنسبة 1%،وسيطول بنا الحديث لو ذهبنا نبين مواطن الاختلاف العقائدي بينها،وسنجد أن الخلاف قليلا ما يُلتفت إليه عندما يكون بين دين ودين(مسلمون- مسيحيون)،ويلتفت إليه كثيرا عندما يكون بين المذاهب(سنة- شيعة) لأسباب تاريخية ليس هنا موضع التفصيل فيها،وهذا لا يغني عن القول:إن أهم ما يميز الطائفة العلوية المحسوبة على الشيعة الاثنا عشرية عن الأغلبية السنية في سوريا هو القول بأحقية علي- كرم الله وجهة- بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بموجب نص جلي،وأن الإمامة منصب إلهي انحصر في اثني عشر إماما هم:علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر،وعلي بن موسى الرضا ومحمد بن علي الجواد وعلي بن محمد الهادي والحسن العسكري ومحمد بن الحسن المهدي الذي غاب وسيظهر في آخر الزمان،ويعتبرون الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم (أبا بكر وعمر وعثمان) مغتصبين للحكم،أما السنة فهم جمهور المسلمين الأعظم الذين يعتقدون أن الخلافة منصب مدني،وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ولم يستخلف ولم ينص على أحد بقول أو فعل،لكن سرعان ما أقبرت العصبيات الأسرية هذا المبدأ العام في وقت مبكر بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة ليأخذ التاريخ مسارا آخر.
وفي سنة 1970 يتولى حكم سوريا أول رئيس من الطائفة العلوية هو حافظ الأسد بعد أن تمكن من إزاحة ابن طائفته الرجل القوي في الجيش صلاح جديد فسجنه ثلاثا وعشرين سنة (1970- 1993)،ولم يكن الشعب السوري يلقي بالا لخلفية الأسد الطائفية إلا بعد أن شرع في سن سياسات ظالمة في حق أبناء الأغلبية عندما عزل رموزها عن مراكز القرار وأخضع الجيش والأجهزة الأمنية لنفوذ وقيادة الضباط العلويين المنتمين إلى حزب البعث ذي الهوية القومية للتغطية على النزوعات الطائفية،وإلا بعد أن احتوشت العائلة الأموال واحتكرت الامتيازات،وأذاقت المعارضين صنوف التقتيل والتعذيب والتنكيل،
ففي عام 1955 اندهش العقيد عبد الحميد سراج رئيس مكتب المخابرات لدى اكتشافه أنّ مالا يقل عن 65% من ضباط الصف كانوا تابعين للطائفة العلوية،وأفاد الدكتور مطاع صفدي الذي انضم إلى حزب البعث وكان من أوائل منتقديه أن "التسريحات بالمئات استهدفت جميع الضباط من أبناء المدن الكبرى، ومن (السنيين) خاصة،حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين، كسلاح الطيران وسلاح البحرية، والآليات، وكذلك اتبعت نفس الخطة حيال صف الضباط والجنود، حتى أصبح من المتعارف عليه أن ألوية كاملة بأركان حربها وصف ضباطها وجنودها، وقف على طوائف معينة، كاللواء السبعين والخامس مثلا"4،ووافقه الرأي منيف الرزاز الذي كان من قادة حزب البعث العراقي إذ قال:" أغلق باب الكليات العسكرية ومختلف المدارس العسكرية في وجه شباب المدن السنيين. حتى أن دورات كاملة من هذه الكليات قد سرحت من الخدمة جميعها، وقبل أن تتخرج"5،وقصد التعمية على حقيقة التطهير الطائفي في صفوف العسكر لم يكن النظام يسمح بالمجاهرة بالتمايزات الطائفية،كما احتفظ بقيادات سنية في الجيش لأنها تنفع في "الديكور" التعددي كالعماد مصطفى طلاس الذي أحيل على التقاعد عام 2003.
لقد اعتبر الإسلام الارتداد إلى محاور الولاء القبلي والعشائري أمرا من أمور الجاهلية التي تم تجاوزها لما خلص العرب من عقلية القبيلة وأنشأ لهم لأول مرة في التاريخ دولة مدنية تحتكم مكوناتها إلى سلطة الأخلاق والشريعة والقانون لا إلى قرابة الدم،وبالتالي يسقط عن مرتبة الاعتبار الشرعي كل من حاد عن جادة العدل والصواب والحق مهما تسربل باسم السنة أو الشيعة أو غيرهم،ولذلك فالشعب السوري لا يطلب غير تمتيعه بحريته كاملة غير منقوصة في العيش الكريم،وفي ثروته الوطنية،وفي اختيار حاكمه،وحقه في التخلص من حكم العائلة التي تتلمظ بدمائه،والحقيقة التي لا جدال فيها هي أن النظام السوري كان دوما يتبع سياسة طائفية وفق قاعدة أسميتها "تغليب الأقليات لإخراس الأغلبية"،وهو يدرك جيدا أنه يخوض معركة حياة أو موت،ولن يجد حرجا في تعقيد الوضع ولسان حاله يقول: "علي وعلى أعدائي" ففي الأفق تتراءى نذر المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها ضد الإنسانية، ففي مذبحة"حماة" التي حدثت سنة 1982 سقط ما بين 30-40 ألف قتيل من بينهم نساء وأطفال ومسنين إضافة إلى 15 ألف مفقود ،وأُرغم نحو 100 ألف نسمة على الهجرة عن المدينة ،وتمت إزالة 88 مسجداً وثلاث كنائس ومناطق أثرية وتاريخية نتيجة القصف المدفعي،وأحاطت بالمدينة كل تشكيلات الأمن والمخابرات والجيش والشبيحة،ومُنع الدخول إليها أو الخروج منها وسط تعتيم إعلامي شديد،فلم يعلم أهل دمشق بما كان يحدث في"حماة"،واليوم تتكرر ذات المأساة في "حمص" على مرأى ومسمع من العالم،إذ يتم قصف المدينة برا وجوا،وتتعفن الجثث في الشوارع،ولا يجد الجرحى من يسعفهم،ولا يجد المرء السلوى إلا في الصمود الأسطوري للسوريين الذين يخرج الواحد منهم وهو يردد "الموت ولا المذلة" محاكيا الشعار الحسيني الخالد "هيهات منا الذلة" ،حاملا روحه على كفه لا يدري هل يرجع إلى بيته أم يرتقي شهيدا،إنه مشهد دموي يصح معه القول:إن سوريا فيها أسد وغابة وعصابة،أسد يحسن الخنق والفتك وكسر الرقاب ورض العظام وقطع الأوعية الدموية،له لبؤة من "حمص" ولكنها لم تنفع أهلها شيئا ولم ترد عنهم عدوان "الأسد" الذي لا يتحمل مطاردة طويلة لما يريد أن يفترسه،وغابة يُعمل الحطاب ساطوره في أغصانها الطرية،وعصابة تقدم ذوي القربى في المغانم وتأخرهم في المغارم،فتحولت إلى "مافيا" تحتكر المال والسياسة.
وهو مشهد يُذكِّر أيضا بالجرائم والمذابح التي ارتكبها حزب البعث العراقي بشتى صنوف الأسلحة التقليدية والكيماوية،حتى أتى اليوم الذي صدر فيه قانون"اجثتات حزب البعث"،فلماذا "شيطن" المدافعون عن النظام السوري حزب البعث العراقي- وهو أهل لذلك- ولم "يشيطنوا" حزب البعث السوري،أو لم يقل الشهيد محمد باقر الصدر"لو كان أصبعي بعثيا لقطعته".
إننا في مقام توصيف واقع لا يمكن إنكاره وهو واقع السلوك الطائفي للنظام السوري،أما إذا انتقلنا إلى مقام توصيف الحلول واقتراح البدائل،فإن ثوار سوريا ومعارضتها مدعوون إلى تجاوز اللغة الطائفية ليَسَعوا الناس بسياسة عملية قوامها الإنصاف والعدل،والعدول حين التمكن عن نهج الانتقام من "العلويين" الذين كان النظام وعائلة الأسد يداريان بهم نهمه إلى السلطة والمال،بل عليهم أن يعطوا المثال في الصفح والعفو والتسامح،وكم كان موقف "حزب الله" سيبدو جميلا لو أنه لم يوقف دورة تأييد الثورات عند البحرين مما حمل الكثيرين على نعت تقييمه للحراك الثوري السوري بالطائفي،فحرام أن يضيع الرصيد النضالي التي اكتسبه الحزب في مواجهة العدو التاريخي للأمة"إسرائيل" نتيجة مواقف متسرعة وضيقة الأفق وغير محسوبة النتائج،وحتى لا يقال لنا:لا تنه عن خلق وتأتي مثله نقول:لا وجه للسياسة التمييزية التي يتبعها نظام البحرين تجاه مواطنيه الشيعة الذين يشكلون أكثر من نصف السكان،والذين يجب أن يكون لهم رأي في سياسة البلد بدون خلفيات طائفية أو ارتباطات خارجية.
لقد كان للسيد حسن نصر الله وقفات ضمن خطابات متعددة مع الأحداث في البحرين،ففي أحدها تساءل:" لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين ،لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق،لماذا؟بل الذهاب أبعد من ذلك إدانة تحركهم،اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى هل فقط لأنهم شيعة،هل إذا كان الإنسان في بلد ما ينتمي إلى دين ما وإلى مذهب ما يسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية،هل انتساب غالبية المعارضة في البحرين إلى المذهب الشيعي يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق مستباحة الدماء،مهدورة الكرامة تصدر في حقها الفتاوى أين هو الحق والإنصاف في هذا؟"6 وأجاب قائلا:" نحن جميعا مسلمين ومسيحيين ،من السنة والشيعة،وقفنا إلى جانب فلسطين لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب شعب فلسطين دين ومذهب شعب تونس،دين ومذهب شعب ليبيا،دين ومذهب شعب اليمن،هذا واجبنا جميعا أن ننصر المظلومين والمضطهدين..لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي عندما تنشب نزاعات بين الظالم والمظلوم،بين الحق والباطل"7،كلام لا خلاف عليه لو عُدِّيَت الأحكام الواردة فيه إلى الحالة السورية،ولو تمت التعدية لأعدنا صياغة حديث السيد نصر الله - بعد تغيير اسم البلد- هكذا:" لماذا السكوت عن الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في سوريا ،لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق،لماذا؟بل الذهاب أبعد من ذلك إدانة تحركهم،اتهام هؤلاء الشهداء وهؤلاء الجرحى هل فقط لأنهم سنة،هل إذا كان الإنسان في بلد ما ينتمي إلى دين ما وإلى مذهب ما يسقط عنه حقوقه الإنسانية والمدنية الطبيعية،هل انتساب غالبية المعارضة في سوريا إلى المذهب السني يجعلها معارضة مسلوبة الحقوق مستباحة الدماء،مهدورة الكرامة تصدر في حقها الفتاوى أين هو الحق والإنصاف في هذا؟ نحن جميعا مسلمين ومسيحيين ،من السنة والشيعة،وقفنا إلى جانب "حزب الله" في مواجهته "لإسرائيل" لم يسأل أحد ما هو دين ومذهب "حزب الله" دين ومذهب شعب تونس،دين ومذهب شعب ليبيا،دين ومذهب شعب اليمن،هذا واجبنا جميعا أن ننصر المظلومين والمضطهدين..لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي عندما تنشب نزاعات بين الظالم والمظلوم،بين الحق والباطل" لكن مع نظام الأسد لم تتم التعدية،وعلى هذا النحو جاء الموقف من ثورة سوريا يحمل في ثناياه سياسة الكيل بمكيالين ،قال السيد نصر الله:
" موقفنا من الوضع في سوريا وما يجري في سوريا أنا سأكون صريحا فيه وواضحا جدا لأن الموقف يتطلب مسؤولية واضحة ومحددة وكبيرة:
- نحن أمام بلد مقاوم وممانع
- إني مقتنع أن بشار الأسد مؤمن بالإصلاح وجاد ومصمم
- النظام "مش مقفل" مبارك كان مقفل،مبارك كان مقفل،القذافي كان مقفل،البحرين مقفل
- كل المعطيات والمعلومات تؤكد أن الأغلبية من الشعب السوري تؤيد بشار الأسد
- إسقاط النظام في سوريا مصلحة أمريكية وإسرائيلين
- ندعو السوريين إلى الحفاظ على بلدهم وإلى الحفاظ على نظامهم المقاوم والممانع"8
يلاحظ على هذا الموقف المعارض للحراك الثوري السوري أمران: الأول سقوطه فيما عابه على معارضي الحراك البحريني،الثاني تحجُّجُه بمقاومة وممانعة النظام السوري،والمتمسك بهذه "الحجة" بمثابة من يرى مجرما يُقطع باليمنى أوصال جثة بعد أن أردى صاحبها البرئ قتيلا،وباليسرى يحمل المصحف،فيغمض من شاهده عيناه عن واقعة القتل ولا يرى إلا حمل القاتل للمصحف،هذا على فرض أن النظام السوري كان مقاوما وممانعا،وهذا ما سنفحصه جيدا في مقالة آتية.
الهوامــش
1 عباس محمود العقاد،الحسين أبو الشهداء الحسين بن علي،ص 128
2 نفسه
3 رواه ابن ماجه والبيهقي في سننهما وأبو يعلى في مسنده
4 مطاع صفدي،حزب البعث،ص 339- 400
5 منيف الرزاز،التجربة المرة،ص 159
6 http://www.youtube.com/watch?v=eMQ5pGyoGEA
7 نفسه
8 http://www.youtube.com/watch?v=nalgCO8aVyE

الغنيمة والهزيمة

تخوض الأحزاب ذات الخلفية الإسلامية تجربة الحكم في العديد من الأقطار العربية، وهي تجربة ستسهم بدون شك في زرع بذور النظرة الواقعية للأشياء لدى قادة التيار الإسلامي ولدى قواعده والانتقال من خطاب يستسهل عملية اتخاذ العديد من القرارات ويقفز على التعقيدات التي تحيط بالكثير من الملفات، إلى خطاب واقعي موضوعي يتفاعل مع الواقع كما هو وليس كما ينبغي أن يكون ويسعى إلى تطويره باستحضار الإكراهات الموجودة.
وأعتقد بأن مجهودات كبيرة تبذل في هذا الصدد لاستيعاب خصوصيات المرحلة الجديدة واستحضار ضرورة التكيف السريع مع مستلزمات العمل الحكومي، في محاولة لإعادة بناء الخطاب السياسي للتيار الإسلامي السياسي ليتكيف مع متطلبات تدبير شؤون الدولة ومؤسساتها، ويستوعب طبيعة المطالب الملحة لمختلف الفئات الشعبية، وليستنفر قوته الاقتراحية على المستوى البرنامجي لتوفير الأجوبة المناسبة لها، دون أن ينسى بأن المنطقة ملتزمة بعلاقات انفتاح متقدمة مع القوى الكبرى في العالم.
لكن هل تستطيع هذه التجارب أن تضمن النجاح باستحضار صعوبة الظرفية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
من الصعب التنبؤ بالنجاح أو الفشل في الوقت الراهن ويبقى من الضروري انتظار ما ستسفر عنه الأيام والشهور القادمة من معطيات حتى تتضح الصورة أكثر، وخاصة ما يتعلق بالالتزام بالمقتضيات الدستورية الجديدة وتنزيلها بطريقة ديموقراطية سليمة.
لكن بالرجوع إلى العديد من المحطات في تاريخ المسلمين يمكن القول بأن عوامل النصر والهزيمة لم تكن مرتبطة فقط بحسن التدبير وامتلاك الأفكار والبرامج بل لعبت العوامل المحيطة بالرجال والأشخاص دورا كبيرا في نجاح تجارب الحكم أو فشلها.
وهناك مفهوم يختزل أسباب الهزيمة عند المسلمين بدقة متناهية، وهو مفهوم الغنيمة.
لقد بدأت بوادر الفشل والهزائم في تاريخ المسلمين بسبب الغنيمة، فقد انهزم المسلمون في معركة كان يقودها الرسول عليه الصلاة والسلام عندما خالف الرماة أمره بسبب الخوف من أن يضيع نصيبهم في الغنيمة في معركة "أحد"، فكانت الهزيمة بسبب الغنيمة..
ويذكر التاريخ أيضا أن آخر قائد مسلم قاد جيشا كبيرا لاقتحام جبال البرانس ولفتح فرنسا قبل التوغل في أوربا، وهو عبد الرحمن الغافقي، تعرض للهزيمة بسبب حرص جيشه على حماية الغنائم التي كان يجرها وراءه، فقد عرف المسيحيون أن لدى الجيش الإسلامي غنائم كثيرة حصل عليها من معاركه أثناء تقدمه من قرطبة حتى " بواتيه " .وقد أثقلت هذه الغنائم ظهور المسلمين ، وكان من عادة العرب أن يحملوا غنائمهم معهم ، فيضعوها وراء جيشهم مع حامية تحميها ، وقد فهم الجيش المسيحي ذلك ، ونجح في ضرب المسلمين عن طريق التركيز على هذا الجانب ، و إشغال المسلمين من الخلف، ولم يفطن المسلمون لهذا التخطيط، فاختل نظام الجيش وكانت الهزيمة بسبب الحرص على الغنيمة.
وبذلك توقف المد الإسلامي نحو أوربا وتوقف معه نشر العقيدة والحضارة.
وتذكر كتب التاريخ أن عبد الرحمن الداخل قضى أكثر من ثلاثين سنة وهو يبني ويقوي من دعائم دولته بعدما فر هاربا من بطش العباسيين، فلما مات سنة 172 ه ترك وراءه دولة قوية توارثها أبناؤه من بعده: تولى بعده ابنه هشام ثم عبد الرحمن الثاني ، إلى أن وصل الأمر إلى عبد الرحمن الثالث الملقب بالناصر ، الذي اعتبر عهده قمة ما وصلت إليه الأندلس الأموية من ازدهار وتقدم وأصبحت قرطبة والمدن الأندلسية الأخرى، كعبة العلوم ، ومقصد طلاب العلم، وعواصم الثقافة العالمية الراقية . .
وفي سنة 350ه مات عبد الرحمن الناصر وتربع على عرش الأندلس من بعده ولده الحكم بن عبد الرحمن الناصر ، ثم حفيده هشام الضعيف الذي تسلط عليه الحجاب وأبرز هؤلاء الحجاب المنصورمحمد بن عبد الله بن أبي عامر ، الذي حكم باسم الأمويين بمعونة أم الخليفة " صبح " وتمكن من تحويل الخلافة لنفسه ولأبنائه مدة قصيرة ، مكونا خلالها الدولة المنسوبة إليه ، والمسماة بالدولة العامرية .
ثم عادت أمور الأمويين إليهم فترات قصيرة قبل أن يقضى عليهم قضاء نهائيا في الأندلس سنة 422ه ، وقامت على أنقاضهم مجموعة دويلات هزيلة في الأندلس عرفت بعهد ملوك الطوائف ، الذي كان من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا وانحدارا نحو هاوية السقوط .
إن من أبرز العوامل التي كانت وراء ضياع الأندلس هو انشغال بعض الخلفاء عن أمور السياسة والحكم بالتصرف في الغنائم وترك الأمور لحجابهم ونسائهم يدبرون حكما حصلوا عليها بدون جهد.
ويذكر التاريخ أن زعيم المرابطين يوسف بن تاشفين عبر البحر لنجدة المسلمين في الأندلس وحقق في معركة الزلاقة ) سنة 479 ه ( 1086 م انتصارا كبيرا كان من أثره إعادة توحيد الأندلس وطرد ملوك الطوائف الذين كانوا يخشون قدومه ، ويفضل بعضهم النصارى عليه .
وفي مدينة أغمات بالمغرب عاش ابن عباد أشهر ملوك الطوائف بقية أيامه فقيرا ذليلا لا يجد ما يسد به حاجته..
إن درس التاريخ يفيدنا أن المسلمين لم ينهزموا بسبب ضخامة التحديات الخارجية، ولكن بسبب الصراع على الغنيمة..
الغنيمة اليوم لم تعد بالصورة التي كانت في السابق..الغنيمة اليوم هي: استغلال النفوذ لمراكمة ثروة غير مشروعة، هي الحرص على البقاء في المنصب ولو على حساب المبادئ، هي التردد في اتخاذ القرارات الشجاعة خوفا من ضياع المنصب والجاه..
تلكم هي الأخطار المحدقة بتجربة الإسلاميين في السلطة اليوم، أما التحديات الأخرى فهم قادرون على التغلب عليها إذا انتصروا على منطق الغنيمة في نفوسهم و داخل ذواتهم..

حبال من رمل

بين يدي المقال:
نواصل في هذه الحلقة الحديث في "لغة وسياسة".. الحابل والنابل. وهذه هي الحلقة الخامسة. وعنوانها هو عنوان كتاب ايفلاند: "حبال من رمل" وهذه هي الحلقة الثانية في هذه المقالة. وقد وجدت الكتاب مهماً، وإن كان أصبح تاريخاً، لكن فهم الظاهرة يقتضي العودة إلى الجذور والتكوين والتخلق: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" العنكبوت 20. ونبتدئ من تاج العروس.
 
1- "الحبل" في تاج العروس.
قال مرتضى الزبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس": ح ب ل: الحبل: الرباط. وذكر التاج جموعه كالآخرين وهي أربعة: "أحبُل وأحبال وحبال وحُبول" كذا في المحكم (وزاد بعضهم حبائل) قال أبو طالب بن عبد المطلب (صرح به وقد تركه اللسان وقال أبو طالب فقط)، وجاءت رواية الزبيدي مختلفة عن اللسان فقال
:
أمن أجل حبل لا أبا لك صِدته   بمنسأة قد جاء حبل بأحبل
وعلى هذه الرواية لا مشكلة في الرفع والنصب في "حبلك أحبلاً".. كما مر في اللسان. وفي الحديث: "حبائل اللؤلؤ" كأنه جمع حبل على غير قياس، أو هو تصحيف، والصواب: "جنابذ"، بالجيم والذال، هكذا صرح به أكثر أهل الغريب، وتبعهم أكثر شراح البخاري. قال شيخنا: والصواب أنها رواية صحيحة (أي حبائل)، كما حققه عياض في المشارق (مشارق الأنوار)، وصححه الحافظ ابن حجر وغيره. ثم ذكر الزبيدي من في أسمائهم اسم "حبْل" أو مشتقاته فقال: "أبو جعفر أحمد بن محمد بن حبْل" (ليس حنبل) النحْوي، قاضي مالقة (بالأندلس) (720هـ وما بعدها) و"ربيعة بن حاتم بن سنان الحبْلي المصري"، محدث وولده محمد بن ربيعة، سمع منه أبو الحجاج المِزّي الحافظ. وأخوه عبد الله بن حاتم سمع منه المنذري. و"حِبال بن رفيدة التميمي التابعي" وهو "حبال بن أبي الحبال"، يروي عن الحسن، وعنه أبو إسحق السَّبيعي، نقله ابن حبان، زاد الحافظ، وروى عن عائشة أيضاً. و"أبو إسحق الحبّال" محدث مصر وحافظها في زمن الفاطميين. وجماعة آخرون يعرفون بذلك، وهو (أي الحبّال) الذي يفتل الحبال ويبيعها.

وَحَبَله بحبله حبْلاً: شده به. أي بالحبل. قال: "في الرأس منها حِبُّه مَحبُول"
وفي المثل: "يا حابل اذكر حلاً" أي يا من يشد الحبل اذكر وقت حله. والحبل: الرسن. قال تعالى: "في جيدها حبل من مسد" والمحبّل بمعنى الحبل. عن ابن سيدَه. وبه فُسّر قول رؤبة (العجّاج): "كل جُلال يملأ المحبّلا" والجمع حبول. كما في المحكم (لابن سيده).
وفي التهذيب: والجمع حبال. وفي الصحاح: يجمع على حبال وأحبُل. (ونحن نميل إلى جمع كل الصيغ فجميعها جائز حائز على القبول طالما قال به إمام من أئمة اللغة ولم نضيّق؟ ونحن مع التسمح في اللغة كالتسمح في الفقه. ويعجبنا قول "مصطفى الجوزو" عالم اللغة اللبناني المعاصر في تيسير مذاهب اللغة وتيسير الاشتقاق.. ضمن القواعد والضوابط بالطبع لكن دون تشدد!) (وسئل الشيخ عبد الله العلايلي (ت1996) علامة اللغة اللبناني عن لغة المستقبل فقال: لغة المستقبل هي اللغة الميسرة المبسطة أعني إنزال الفصحى من برجها العاجي. مجلة الأسبوع العربي عدد 2699.

والحبل: الرمل المستطيل. كما في الصحاح والمحكم. زاد الأزهري: المجتمع الكثير العالي، وكذلك حبال الدهناء: رملات مستطيلات. وفي حلقة قادمة سأعرف بكتاب للمخابرات الأمريكية: حبال من رمال.
ونواصل الرحلة مع تاج العروس: ويقال: جاؤوا حَبْلَي زَرود، وهما رملتان مستطيلتان. ومن المجاز (أي في استعمال كلمة الحبل ومعناها): "العهد والذمة والأمان. يقال: كانت بينهم حبال فقطعوها: أي عهود وذمم" (وأشهر من يقطع ما أمر الله به أن يوصل هم بنو عمنا بنو صهيون بنو إسرائيل بنو(..) وهذه بعض الآيات: "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون" البقرة 27 والرعد 25 قريبة منها. "فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم.." المائدة13. وقوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعاً.." آل عمران 103 أي بعهده.
وقال الراغب: واستعير للموصِّل ولكل ما يتوصل به إلى الشيء قال: "واعتصموا بحبل الله" فحبله: هو الذي معه التوصل إليه، من القرآن والنبي والعقل وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره، ويقال للعهد: حبل. وقال أبو عبيد: الاعتصام بحبل الله: اتباع القرآن وترك الفرقة، وإياه أراد ابن مسعود رضي الله عنه بقوله: "عليكم بحبل الله فإنه كتابه"ز
قال: والحبل في كلام العرب يتصرف على وجوه: منها العهد: وهو الأمان. فقال رضي الله عنه أي ابن مسعود: عليكم بكتاب الله فإنه أمان لكم وعهد من عذاب الله. وقوله تعالى: "إلا بحبل من الله وحبل من الناس" قال ابن عرفة: أراد إلا بعهد من الله وعهد من الناس، فتلك ذلتهم، تجري عليهم أحكام المسلمين"أ.هـ.
قول ابن عرفة: فتلك ذلتهم. يقصد إلا بحبل من الله وحبل من الناس. بل هو المخرج من ذلتهم ولو مؤقتاً أو ظاهرياً. لا أنه هو ذلتهم. فهذا عكس للمعنى. وإن قيل: قوله: "فتلك ذلتهم، تجري عليهم أحكام المسلمين" وليس في وارد ما أنت فيه. قلت: أين في الآية تجري عليهم أحكام المسلمين؟ وهل جريان أحكام المسلمين ذلة؟ نحن لا نريد إذلال أحد إذا طبقنا عليه أحكامنا، وأين نحن من قول عمر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
إنما معنى الآية يا أخا العرب والعزة: أن هؤلاء المجرمين مفروضة عليهم -من الله- الذلة النفسية الداخلية والصغار مهما علوا وبلغوا وتملكوا وتسيدوا. وهذه الذلة ترفع جزئياً أو ظاهرياً أو خارجياً بحبل من الله، وهذا كان لأنبيائهم ومن هم على نهج أنبيائهم. وقليل ما هم في قليل من الزمن هم.
أما الذي قد طال أمده فحبل الناس (والله أذن أن يكون في كونه ووفق سننه هذا الأمر. والسنن لا تتعطل لعيون أحد ولا تحابي أي أحد! وليست منحازة لأحد، فكيف تنحاز إلى أحط أحد.. وهو هذا العدو الألد؟! وحبل الناس متجل في مسارعة كل دول العالم –تقريباً- في حراستهم وخدمتهم. وأكتب هذه الكلمات، وسفن الحرية لكسر الحصار تحصرها وتحاصرها اليونان خدمة لعيون إسرائيل. لأنها تعلم أن صندوق "النكد" بيدهم، والبنك الدولي بيدهم "والقرود" بيدهم.. "وأبو كمونة" بيدهم.. والشرعية الدولية بيدهم وجل الزعماء بيدهم فلم لا يعملون لهم وفي خدمتهم؟ "غلت أيديهم" جميعاً.
وقال الراغب: فيه تنبيه (أي قوله تعالى: "إلا بحبل من الله وحبل من الناس") إن الكافر يحتاج إلى عهدين: عهد من الله، وهو أن يكون من أهل كتاب أنزله الله، وإلا لم يقر على دينه، ولم يجعل في ذمة، وإلى عهد من الناس يبذلونه".
(قلت: وهذا أيضاً غير مسلم. فالآية الكريمة لا تتكلم عن الكفار عموماً إنما تتكلم عن "الأكفر"، من بني إسرائيل، وإنهم كشعب، وعلى الجملة، ضربت عليهم الذلة، وتشربوها فأصبحت كأنها فطرة فيهم أو غريزة غرزت فيهم. وهل لذلك علاقة بإذلال فرعون لهم عبر أجيال حتى تشربوا الذل وورثوه توريثاً اجتماعياً لا جينياً –بالطبع-. وإما لشعورهم بالقلة والأقلية وكره الناس لهم جعلهم يشعرون بالحصار والذل والصغار.

وإما لشعورهم بفساد أخلاقهم وفساد نفسياتهم وسوء طوياتهم ورداءة طباعهم وسوء معتقدهم في الله، وعلمهم بإفسادهم وتلويثهم الذمم، وتراكم خطاياهم جعلهم هذا كله يشعرون بالذل والصغار. المهم أن الكلام ليس كما قال: "ليس يقر على دينه إلا أن يكون من أهل كتاب" وهل نحن نملك أن نقرّ أو لا نقرّ ألف مليون هندوسي يعبدون البقرة؟ ونملك أن نقرّ أو لا نقر ألف مليون آخرين يعبدون بوذا، وألف مليون ثالثين لا يعبدون إلهاً قط في الصين؟ فما هذه الأقوال؟ وما أحوجنا إلى مراجعة التراث وغربلته من التراب..).
ومع الحبال "وحبل الناس" الذي "يبرطع" في حمايته بنو صهيون لنا عود يكون إن شاء الله ولم تدركنا المنون.

2-    الحلقة الثانية في التعريف بكتاب حبال من رمل/ قصة إخفاق أمريكا في الشرق الأوسط.
يقول المؤلف "ايفلاند" في الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان: "سِفر التكوين": (ولاحظ التأثر الثقافي باليهود) "في 8/1/1918 أعلن الرئيس وودروويلسون عن خطة من أربعة عشر بنداً ترمي إلى إيصال الدول المتحاربة إلى سلام بدون منتصرين. (لاحظ أنها خطة أمريكا في ليبيا!)" ثم ذكر مساعدات أمريكا لهذه الدول (أوربا) والبلدان التي كانت تحت الحكم العثماني (طبعاً مع الفوارق في المواقف والمساعدات!) وذكر أن حلفاء أمريكا (يقصد بريطاني وفرنسا) كانوا يتلهفون لاقتسام هذه البلدان، (ليست أمريكا بلد أخلاق وإنما هي تريد هذه الدول لنفسها!) لاقتسامها بعد تخليصها من النفوذ العثماني. (وهو الذي كان على كل حال!) وقبل الحلفاء مباديء ويلسون بدافع الحصول على مساعدات أمريكية من أجل تعمير ما هدمته الحرب. وتبنت آنذاك عصبة الأمم هذه المبادئ. (ما زالت هيئة الأمم المتحدة تصنع الشيء ذاته تتبنى ما تتقدم به أمريكا!) تبنت (العصابة) أو عصبة الأمم الوصاية على دول الإمبراطورية العثمانية، ومراقبة انتقالها إلى الاستقلال. (كما راقبت انتقال العراق بعد صدام إلى الديموقراطية والحرية والتقدم الاقتصادي!!)
وكان الحلفاء قبل ذلك قد اقتسموا فيما بينهم أماكن النفوذ، وصاغوا العديد من الاتفاقيات حول العديد من القضايا، وذلك لتأمين مصالحهم، وقد حددت بريطانيا وفرنسا مطالبهما في اتفاقية سايكس-بيكو. مستهدفين إنشاء دولة عربية واحدة، أو كونفدرالية ضمن نفوذهم (نحن لم نكن ندري ما الذي يجري. كنا نرقص ولا ندري أين نحن ولا كيف تتجه الأمور!)
ومع أن بريطانيا منحت حق المرور إلى الموانئ: حيفا وعكا فإن فلسطين (لاحظ الاهتمام!) قد وضعت تحت نوع من الإشراف العالمي (خلي بالك من العالمي!) لتأمين الدخول إلى الأماكن المقدسة: المسيحية والمسلمة واليهودية.. (هم لا يضعون يدهم في شيء إلا أفسدوه! وهل كانت هذه الأماكن ممنوعة على أحد ممن ذكر. ولاحظ النص على الثلاثة بلا سيادة يعني نعومة وبساطة: سحبت منا السيادة وعظم الله أجركم!).

وكمكافأة للعرب لاشتراكهم في الحرب ضد تركيا(!!) ضمنت بريطانيا الاستقلال للأسرتين المتنازعتين في شبه الجزيرة العربية (لاحظت الصياغة الدبلوماسية الزئبقية المدهشة!): الوهابيين تحت حكم الأمير عبد العزيز. (لاحظ!) والهاشميين تحت حكم الأمير حسين.
ولم تكن وعود بريطانيا لهاتين الأسرتين متناقضة فحسب، ولكن تعهداتها بأن يحكم فيصل دولة عربية عاصمتها دمشق تعارضت تماماً مع معاهدة س.ب. التي قضت بنودها أن تكون سوريا ضمن منطقة النفوذ الفرنسي.

وأخلّت بريطانيا سنة 17 بوعودها للعرب كذلك، وأعلنت وعد بلفور وبذلك برهنت على أنها تنظر نظرة رضى لتأسيس "وطن قومي" للشعب اليهودي في فلسطين. بشرط أن لا يسيء ذلك إلى الحقوق المدنية والدينية والأوضاع السياسية لجماعات السكان الأصلية من 
غير اليهود. (لاحظت الصياغة الشيطانية! فأولاً جماعات السكان الأصلية. هل تذكر سكان استراليا الأصليين وسكان كندا الأصليين؟ هذا هو حال الهنود السمر –يعني نحني يا خيوه-. وثانياً هل لاحظت عبارة من غير اليهود، يعني أن الأصل هو اليهود ووجود الآخرين هو العارض والطارئ. وهل لاحظت ثالثاً: الحقوق المدنية وهذه مضمونة نظرياً لكل "الموجودات"، وهل لاحظت "الأوضاع السياسية" هل لها معنى محدد؟ ومن الذي يشرحه إن اختلفنا؟ حقل ألغام والسلام ووقعوا يا كرام وامسحوها بهاللحية!)
ونشرت الحكومة الروسية الاتفاقيات السرية لاقتسام المنطقة. ولتتلافى بريطانيا ثورة الشعوب جددت الوعود بمنح العرب استقلالهم.

وفي سنة 18 أعطى ويلسون العرب الذين كانوا تحت حكم العثمانيين ضمانات بحياة حرة واستقلال ذاتي (فاهم شي؟!) وصار لدى العرب مسوغ قوي للاعتقاد بأن الولايات المتحدة ستكون الضامن لاستقلالهم الذي نشدوه بعد أربعمئة سنة قضوها تحت الحكم العثماني. (هم مشفقون علينا من هذه القرون من الظلام فنقلونا إلى ظلم أظلم!) (وربما يكون ما قال هذا من توهم العرب أن أمريكا تضمن دولهم واستقلالهم، ربما يكون العرب قد صدقوا هذا أو توهموه، وهذا من نجاح مسلسل الخداع، ووادي الثعالب..).

وفي الفصل الثاني الذي بعنوان: "رحلة في أعماق التاريخ" يتحدث عن نفسه وطفولته في ولاية واشنطن (هو من مواليد 18) ويصف حياة الهنود الحمر في بلدته. وكيف التحق هو بالبحرية. (سنة 40 التحق بالجيش في بوسطن، وسنة 41 دعي إلى مركز المخابرات.

ونقل إليها من البحرية. وقيل له إن أمريكا مقبلة على خوض حرب ولا بد من حماية الداخل فعمل مع C.I.P (وهناك فروع أخرى للسي آي أيه CIC أي المخابرات المعاكسة) على كل حال كانت مهمته مكافحة الجاسوسية. ثم يتحدث عن ضربة "بيرل هاربور" على يد اليابان. وانتهت الحرب في أوربا وعاد من مهماته هناك إلى أمريكا.

ويتكلم عن جماعات صهيونية كانت تجمع التبرعات لشراء الأسلحة للصهاينة الذين يقاتلون في فلسطين ومن لم يعطهم شتم واتهم بالنازية (عادتهم!). ثم تعلم العربية ليسافر إلى ذلك الجزء من العالم الذي باشرت فيه أمريكا للتو مسؤوليات جديدة! ونواصل في حلقة أخرى!

د.أحمد نوفل

البورصة بين الحلال والحرام


الحرام ما حرّم في القرآن والسنة الصحيحة بنصّ صريح. وهنالك من الحرام ما أدخله الفقه من خلال الاجتهاد، ولكن هذا قابل للخلاف من خلال الاجتهاد كذلك، ومن ثم سيظل هنالك من يعتبره حراماً فيحرّمه على من لا يعتبره حراماً ويدخله في المكروه أو في ترجيح تجنّبه.

وكثيرون من الفقهاء لا يحرّمون ما لم يرِد حرامه بنصّ ويعتبرون الأصل في حلال كل ما لم يحرّمه نصا، ولكن إذا تبيّن بالقياس ما يقرّبه من الحرام أو يدرجه في إطاره، أو ما يتكشّف ضرره، كما ضرر الحرام، حُرّم أو اعتبر مكروهاً أو امتنع عنه لضرره وليس لحرمته.
كل ما عدا تحريم الربا والاحتكار والغش والغبن في عالم الاقتصاد لا يُعتبَر حراماً ويؤخذ بحلّه، ومن هنا جاء الاجتهاد في الآونة الأخيرة بعدم حرمة معاملات البورصة أو التعامل بها، وقد اعتُبِرت حلالاً باعتبار شراء الأسهم وبيعها يدخل في إطار حلال التجارة والاتجار سواء بسواء.

الذين قالوا بعدم الحرمة انطلقوا من مبدئين: عدم تحريم ما لم يرد نصّ بتحريمه، كما لم يرد تحريمه باجتهاد سابق من قبل مجتهدي المذاهب. أما المبدأ الثاني فقد اعتمد على الصورة التي قدّمها الخبراء للعلماء بالنسبة إلى البورصة وتعاملاتها، وقد قدّموها باعتبارها تجارة بالأسهم بيعاً وشراء.

لنضع قضية تحريم أو التحليل جانباً من حيث المبدأ، وذلك بهدف البدء بتقديم قراءة دقيقة لمعاملات البورصة بما يتعدّى اعتبارها مجرد تجارة في الأسهم تماماً كالتجارة في السلع أو كشراء العقار والشركات وبيعها في المعاملات الاقتصادية العادية.

هذه الصورة تبسيطية وتضليلية لمعاملات البورصات، وإلاّ كيف نتجت كوارث مهولة في البورصات العالمية وقد طارت مدخرات ملايين وعشرات الملايين من صغار المتعاملين ومتوسطيهم في البورصات، كما يعرف الجميع.

هؤلاء الملايين وعشرات الملايين فقدوا بين ليلة وضحاها كل ما ادّخروه عبر عشرات السنين من التعب والشقاء من أجل تأمين شيخوختهم أو ضمان مستقبل أولادهم، وقد ذهبوا إلى التعامل مع البورصات تحت أوهام الربح وتشغيل أموالهم لمضاعفتها، وهو ما حدث لبعض الوقت لاستدراج الملايين من البشر لوضع مدّخراتهم في معاملات البورصة. ومن ثم يأتي حيتان المال ليجنوا الأرباح من خلال شراء الأسهم رخيصة، ثم بيعها بعد أن تكون قد تضاعفت أسعارها، مما يؤدي إلى انهيار الأسعار أضعافاً عما اشتراها به أولئك الملايين وعشرات الملايين. إنّها عملية تشبه عمليات النصب والاحتيال والمقامرة شبه المضمونة.

وبهذا، بين ليلة وضحاها، تُنهب أموال الملايين وعشرات الملايين من البشر أو مدخراتهم في شركات التأمين والاستثمار، لتزيد ثروات كبار المضاربين في هذه اللعبة القذرة.

لقد أصبح شراء الأسهم وبيعها في عالم البورصات لعبة قائمة بذاتها بعيداً عن أصولها على أرض الواقع، أو تزويراً لموازنات تلك الأصول بهدف رفع أسعارها في البورصة ثم التلاعب بها، ولعل المثل الأبرز ما فعلته شركة أندرسون العالمية للمحاسبة في التلاعب بموازنات الشركات.

ومن هنا يمكن القول أنّ البورصة، في وجه من أوجهها، أقرب إلى القمار المنفصل بالضرورة عن الدورة الاقتصادية الإنتاجية والتجارية الحقيقية على أرض الواقع.

كيف يمكن أن يُقبل أن يأتي كبار المضاربين في البورصات ليشتروا الأسهم، وإيجاد مناخ نفسي بأنّ الأسهم المعنية سترتفع أسعارها فينجذب عشرات الآلاف من أصحاب المدخرات المتوسطة ليتبعوا خطواتهم في شراء تلك الأسهم، مما يؤدي إلى ارتفاعها بسبب قانون العرض والطلب في عالم البورصة، ثم تأتي لحظة بيعها من قبل أولئك الكبار وهي في أوج مُعيّن، وإذا بها بعد ذلك تهوي إلى حضيض لتذهب بملايين المساهمين إلى عالم الإفلاس، هنا تخرب البيوت بأشدّ مما يحصل في الحروب أو الكوارث الطبيعية.

كيف يُقبل هذا من ناحية العدالة والاستقامة ومصالح الناس في التعاملات الاقتصادية، حيث لا يجوز الغش والغبن والاحتكار والخداع، أو الابتعاد عن الاقتصاد الحقيقي للأصول التي تمثّلها الأسهم في البورصات.

انظروا على أرض الواقع ما حدث خلال العقدين الماضيين في عالم البورصات التي أطلقت العولمة لها الحرية في معاملاتها بلا قيد ولا رقيب، وأطلقت تزييف موازنات الشركات الكبرى بهدف رفع أسهمها في البورصة، بلا تناسب مع واقعها الفعلي. وذلك بقصد حصد ثروات المدخرين الصغار والمتوسطين أو المستثمرين العرب الأغنياء الذين فقدوا عشرات أو مئات البلايين في البورصات.

الأرقام تقول أنّ في الولايات المتحدة aوحدها فقط، على الأقل، نصف الأميركيين خسروا مدخراتهم مع انهيار البورصات في ظل عولمة صاعدة إلى قمة مجدها في تسعينيات القرن الماضي، ليتكرر في أوائل العشرية الأولى وأواخرها من القرن الحالي.

من هنا على الذين أفتوا بجواز التعامل بالبورصة أن يعيدوا النظر في ما قدّم لهم من صورة سطحية مشوّهة لحقيقة التعاملات بالبورصة، وبعد ذلك ليعطوا رأيهم أو حكمهم فيها، ليس اعتماداً على عدم ورود نص بتحريم البورصة، حيث لم تكن ثمة بورصة طوال العهود السابقة. ولهذا من بلادة التفكير ألاّ تُدرس البورصة في عصرنا دراسة صحيحة دقيقة معمّقة.

الموقف هنا لا يحتاج إلى أن يطرح على مبدأيْ التحريم والتحليل، وإنّما يجب أن يطرح على المستوى الاقتصادي الصرف، فتحدّد الأضرار والسلبيات والمضار العامة في معاملة البورصة ويُرى ما تحمله أو ما يمارس من الغش والغبن والاحتكار والمقامرة من قبل كبار المتلاعبين في عالم البورصات، وحيث تنهب مدخرات الملايين وعشرات الملايين وتنتفخ، بما يشبه عملية النصب والاحتيال، جيوب حيتان المال الأجانب والمحليين.

ولكن إذا قيل يمكن للبورصة أن تكون مصدراً لحشد الأموال من أجل الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي، فالأمر هنا يتطلّب تغيير اللعبة من أساسها فلا تعود ميداناً للمضاربات. كما يوضع نظام دقيق لشراء الأسهم وبيعها، وتراقب موازنات الشركات بأعلى درجات الحزم والدقة.

أما البورصات في وضعها الحالي ولا سيما ما وصلت إليه في عصر العولمة والاقتصاد الليبرالي سواء أكان في المستوى العالمي أم في البلدان التابعة اقتصادياً، فضررها أكبر من نفعها، وكوارثها دونها كوارث الحروب أو الطبيعة، فلا يجوز أن تلخّص بعدم حرمتها استناداً إلى عدم وجود نص أو تشبيهها بالتجارة التقليدية في السوق.

منير شفيق
المصدر :السبيل
www.assabeel.net 

أميركا والفتن الداخلية بين أمس واليوم


أميركا الضعيفة وشبه العاجزة أخطر من أميركا القويّة والقادرة. طبعاً هذه المقولة متناقضة من حيث المنطق للوهلة الأولى، ولكنها تعبّر عن واقع نشهده اليوم في عدد كبير من الوقائع، والمنطق الذي يخالفه الواقع لا يبقى منطقاً صحيحاً، ولا بدّ من إعادة النظر فيه بالنسبة إلى الواقع الذي خالفه في الأقل.

أما تفسير كيف تكون أميركا وهي ضعيفة وعاجزة أشدّ خطراً على العرب والمسلمين مما كانت عليه وهي القوية القادرة أو وهي الأقوى بين الدول الكبرى فيحتاج إلى مقارنة بين حالتيها قويّة وضعيفة.

أميركا القويّة والقادرة كانت تأتي إلى المواجهة مباشرة، وكانت تتصدّر الهجوم ولا تقبل أن يشاركها أحد في تقرير مصير هذه القضيّة أو تلك، فهذا ما فعلته على سبيل المثال حين مضت إدارة كلينتون في عملية التسوية.

وهذا ما فعلته إدارة بوش الابن في عملية العدوان على العراق وفرض ما أسمته صوْغ الشرق الأوسط الكبير أو الجديد. وكذلك عندما تحرّك الكيان الصهيوني ليشنّ حربين عدوانيتين إحداهما على لبنان في يوليو/تموز 2006 وثانيتهما على قطاع غزة 2008/2009 كانت أميركا مباشرة وراء الحربين، وقادت الحملة السياسية لتغطيتهما والمفاوضة بخصوصهما.

وقد اقتُصِر على هذه الأمثلة باعتبارها طازجة، وعاش تفاصيلها أهل هذه المرحلة التاريخية. هذا وثمة أمثلة أكثر من الماضي.
حاولت إدارة أوباما أن تحافظ على دور أميركا ولو على مستوى أدنى من السابق بسبب بدء ظهور علائم الضعف والعجز. ولكن مع بداية العام 2011 كان الضعف الأميركي والاختناق بالأزمة المالية ظاهرتين يلمسهما الكثيرون من المحللين السياسيين، وهنالك من أخذ يتعامل ومقولة أن أميركا أصبحت ضعيفة وشبه عاجزة وكأنها مسلّمة لم تعد قابلة للنقاش.

فمع اندلاع الثورتين الشبابيتين في تونس ومصر بدا الارتباك واضحاً في مواجهة أميركا لهاتين الثورتين وهما تُطيحان بحليفين من الدرجة الأولى لأميركا، ثم وصل الأمر إلى حدّ الترحيب بتنحّي حسني مبارك وزين العابدين بن علي من دون أن تمدّ يد الإنقاذ كما كانت تفعل في السابق، وهي ما زالت حتى الآن بلا إستراتيجية هجومية عدا بوادر أخذت تظهر في منطقة المحيط الهادئ ونشر الصواريخ المضادّة للصواريخ ضدّ روسيا والصين وإيران.

بالتأكيد كان السبب وراء هذا التغيير يعود إلى الضعف أو في الأدّق إلى ما حدث من اختلال في ميزان القوى العربي والإقليمي والعالمي في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني، وقد تشكل هذا الاختلال بسبب الفشل الذي مُنِيَ به مشروع إعادة صوغ ما يُسمّى «الشرق الأوسط الكبير»، وفي المقدّمة الفشل في حربي 2006 و2008/2009 وفي انهيار احتلال العراق ومأزق الاحتلال في أفغانستان أمام المقاومات والممانعات.

ثم بسبب نشوء أقطاب دولية وإقليمية تعاظمت أدوارها من روسيا والصين والهند والبرازيل وإيران وتركية وجنوبي أفريقيا، إلى صمود قوى ممانعة مثل فنزويلا وسوريا وبوليفيا. أما السبب الثالث البالغ الأهمية أيضاً فجاء من الأزمة المالية الاقتصادية الممتدّة من 2008 حتى الآن.

وبكلمة أصبحت أميركا ضعيفة وعاجزة، ولم تعد قادرة على صنع الأحداث والتحكم في مصائر الصراعات، ولم يعد هنالك من يناقش بالقول إن أميركا اليوم هي أميركا الحرب الباردة، أو أميركا عقدي 1990-2010، أو ينكر ما يظهر عليها من ضعف. ولكن مع ذلك ما زالت هيبتها قائمة وما زال الكثيرون يستنجدون بها أو يعتبرون كل ما تفعل نابعاً من قوّة وقدرة ولكن أحدثت تغييراً في الأسلوب. ولكن ما تفسير هذا التغيير؟ أليس الضعف.

يُروى أن أسداً كان في غابة قريبة من قرية ملأ قلوب أهلها رعباً وقد كثرت الأحداث التي بطش فيها بأهل تلك القرية، ولكنه بعد أن استوفى عهد الفتوة والشباب وتجاوز عهد الكهولة وبدأ يشيخ خرج له عدد من شباب القرية وعادوا به محمولاً على ما يشبه النعش، وقد فارقته الحياة. وعندما شاع الخبر تراكض أهل القرية ليشهدوه مسجّى، وقد أصبح ميتاً لا حول ولا قوّة فيه. ولكن لسوء حظهم هبّت ريح قوية وإذا بشعر غرّة الأسد يشرئبُّ كعادته عندما يهمّ بالوثوب على فريسته. فما كان من أهل القرية إلا أن ولّوا هاربين وقد ظنوه عاد حياً مفترساً.

كثيراً ما يحدث مثل هذا مع الدول الكبرى وهي تولي الأدبار أن تظل هيبتها قائمة بعد أن تفقد قوّتها، فيظل الوهم حاضراً ليستيقظ عندما يبدو منها حراك ليس فيه من حول أو طول.

من يتابع السياسات الأميركية إزاء الأحداث التي صنعتها الثورات الشعبية العربية، وموازين قوى لم تعد في مصلحة أميركا والكيان الصهيوني أو الغرب عموماً، يلحظ أنها أصبحت في وضع الذي يركض وراء الأحداث ولا يصنعها، أو في وضع الذي يحاول ركوب موجها من دون أن يكون الممسك بأعنّتها. فقد خرجت عن أن تكون في المواجهة مباشرة، وإنما أصبحت القوى المحلية والإقليمية هي اللاعب الرئيس في المواجهة.

فأميركا تتدخل من خلال التصريحات والأجهزة الأمنية والدعم الإعلامي وحشد حلفائها، أو من خلال نفوذها في هيئة الأمم أو بعض المنظمات غير الحكومية. واللافت في التدخل في ليبيا أنها حوّلته إلى فرنسا وبريطانيا والناتو، وتدخل الطيران بعد أن ضمن عدم مقاومته بالصواريخ أو المضادات مع تدخلٍ من خلال المدربين، فيما المعارك على الأرض قرّرها - في نهاية المطاف - اللاعبون المحليون.

هذا التغيّر الذي حدث أدّى إلى انتقال الدور إلى اللاعبين المحليين والإقليميين، فيما الدور الأميركي راح يؤثر من خلال هذا الطرف أو ذاك من اللاعبين الرئيسيين. ولهذا يجب ألا يُعامَل كما كان الحال عندما كانت أميركا اللاعب الأول في المواجهة، فالتغيير هنا - من حيث إدارة الصراع - نوعي وليس كمياً أو ثانوياً.

فمن يدير عملية الصراع حين أصبح الدور الرئيس فيه للاعبين المحليين والإقليميين كما كان يديره عندما كان الدور الرئيس في الصراع لأميركا والكيان الصهيوني لا يكون قد ضرب حيث يجب أن يضرب أو عالج حيث يجب أن يعالج.

انتقال الصراع إلى القوى المحلية والعربية والإقليمية وضع تلك القوى في مواجهة بعضها مباشرة، الأمر الذي راح يفسح المجال لأميركا وأوروبا لصبّ الزيت على نار الانقسامات الداخلية لتحويلها إلى طريق الفتن المذهبية والإثنية والدينية، أو تحويل ما هو صراع سياسي إلى صراع حول المرجعية بين الإسلاميين والعلمانية ليدخل بدوره إلى الفتنة الأيديولوجية.

الأرض المحلية على المستويات القطرية والعربية والإسلامية أصبحت مع انكفاء الدور المسيطر لأميركا والغرب والكيان الصهيوني، أكثر قابلية للوقوع في الفتن المذهبية والدينية والقومية والأيديولوجية. وهنا يبرز الدور الأشدّ خطورة لأميركا وهي ضعيفة ومتراجعة عما كانت عليها وهي قويّة صانعة للأحداث.

صحيح أن هدفها واحد في الحالتين، لا سيما بعد انتهاء الحرب الباردة في ما يتعلق بسياساتها العربية والإسلامية، وهو تجزيء المجزأ والوصول إلى الدويلات الفسيفسائية «الشرق أوسطية» من خلال زرع الانقسامات الداخلية وتحويلها إلى فتن. ولكنها عندما كانت في الهجوم راحت تقوم بالدور الرئيس وعلى المكشوف وباستخدام التدخل الخارجي المباشر، فعلى سبيل المثال هي التي احتلت العراق ودمرّت دولته وكانت السبب الرئيس في إثارة الفتن الداخلية.

على أن الذي حدث الآن، وبعد انكفاء أميركا وفشلها وأزمتها المالية أن دخلت القوى المحلية من خلال الثورات في عملية إعادة بناء الأنظمة وإقامة توازن جديد ما بين مختلف مكوّنات القطر وقواه السياسية، كما على المستويين العربي والإقليمي.

هذه العملية تفتح باب الصراعات المختلفة على مصراعيه. فقد انفتح الأفق الآن على صراعات سياسية وأيديولوجية واجتماعية قد تمتدّ إلى صراعات تمسّ المكوّنات المذهبية والطائفية والدينية والقبلية والقومية، الأمر الذي سيطرح على كل طرف السؤال كيف سيدار الصراع وبأي اتجاه ونحو أيّة أهداف؟ وسيكون أخطر الخيارات الانتقال إلى الفتن، وأسوؤها الفتنة السنيّة الشيعية، أو العربية الإيرانية أو الإيرانية التركية أو التركية العربية.

هنا تتحوّل أميركا في ضعفها لتكون أخطر على المنطقة منها في قوّتها، لأنها حين تصبّ الزيت على الفتنة وتذكيها من خلال تدخلها العسكري المباشر - هي أو الكيان الصهيوني أو الأطلسي - تجعل بوصلة الصراع تتجّه إليها مباشرة لأنها في الميدان، الأمر الذي يجعل مقاومة الفتنة أيسر وأسهل. ولكن حين تتحرّك من بعيد في دعم أطراف تلعب الدور الرئيس في الصراع لتوقد من خلالهم نيران الفتن، فإن مقاومة الفتنة تصبح أشدّ صعوبة وتعقيداً في إدارة الصراع.

فالمسؤولية اليوم مباشرة على أطراف الصراع المحلي والإقليمي في الذهاب إلى الفتنة أو تَوَقّيها فهي ليست مفروضة عليهم بالقوّة الأميركية المسلحة كما كان الحال في المراحل التي كانت فيها أميركا الأقوى والمبادرة وصانعة الأحداث.

طبعاً ثمّة أطراف تريد الدخول في الفتنة أصلاً، ولكنها في الواقع الراهن هي الأضعف دوراً في ما بين الأطراف المتصارعة. وهنالك أطراف قد تجرّ إلى الفتنة من دون أن تتقصدّها أو تريدها، بسبب أخطاء في إدارة الصراع وتقدير الموقف وعدم السعي لحل الخلافيات بالحوار المعمّق والجاد، أو بسبب عدم حصره في حدوده السياسية ودون سقف الفتنة، أو تلخيص الصراع بأنه بين «فسطاطين» لا مكان فيه للتداخل والتقاطع واللون الرمادي، أو الحوار.
 













 

تسليم المجلس العسكري للسلطة ورئيس علماني ودستور مدني

الدكتور عمرو حمزاوى: الحديث عن الفوضى القادمة هدفه منع المطالبة برحيل المجلس العسكرى
يقول حمزاوى: ما حدث منذ 11 فبراير الماضى بعد سقوط الرئيس المخلوع مبارك «طبيعى».. بعد أى ثورة حيث تتعطل شرايين الحياة وتتضارب الاتجاهات و الآراء، مؤكدا أن الأيام الحالية تحتاج إلى وضوح رؤية وإلى خارطة طريق تضمن تحقيق مطالب الثورة وحفظ كرامة الجيش المصرى.

* هل ترى أن ما يحدث الآن على الساحة فوضى مدروسة أم ارتباك طبيعى بعد أى ثورة؟
- أنا مختلف مع تعبير الفوضى لأن ما يحدث أن هناك مسارين: الأول هو مسار «احتجاج شعبى سلمى» مستمر منذ 11 فبراير الماضى يطلب بدأب وإلحاح وجسارة تحقيق مطالب الثورة التى يمكن تلخيصها فى هذه اللحظة فى «نقل السلطة إلى حكم مدنى منتخب» إلى جانب العدالة الاجتماعية وقضية الشهداء، وهناك مسار ثان فى اتجاه بناء نظام ديمقراطى وفى مثل هذه اللحظة من الطبيعى أن تحدث بعض الأشياء مثل تعطل شرايين البلد الاجتماعية جزئيا ومثل حدوث شىء من عدم الاستقرار، والمطلوب أن يحدث حوار بين هذين المسارين من أجل بناء مؤسسات الدولة.

* كيف ترى انخفاض شعبية المجلس العسكرى إلى هذا الحد وما تقييمك لمجمل أدائه؟
- منذ فترة طويلة تجاوزت 5 أشهر لم ألتق أيا من قيادات المجلس العسكرى والمسألة باختصار أن المجلس قد تعثرت إدارته للبلاد أثناء المرحلة الانتقالية نتيجة لمجموعة من الأخطاء المتراكمة، وفى ظنى أن الأزمة الحالية حلها فى ضرورة التوافق على حل سياسى يحفظ ويضمن كرامة الجيش كمؤسسة «ضامنة» لاستقرار البلاد والدفاع عن حدودها.

* الأخطاء المتراكمة يرى البعض أنها لا تخص المجلس العسكرى فقط بل جزء منها يرجع للنخبة والتيارات والأحزاب السياسية التى بدت كثيرا مشتتة وانتهازية وغير متوافقة؟
- هذا التوصيف دقيق نسبيا لأنه لا توجد «مؤسسة» تفاوض المجلس ولهذا فأنا متفائل بدور مجلس الشعب القادم وعلينا فى نفس الوقت ألا نبالغ فى تضخيم الانتهازية التى تصرفت بها بعض التيارات السياسية.

* هل ترى أن نسبة التيار الإسلامى فى البرلمان القادم ستجعله برلمانا مشوها ولا يعبر بدقة عن الروح والشارع والثقافة المصرية؟
- نجاح التيار الإسلامى وفوزه بهذه النسب الكبيرة من المقاعد يرجع إلى أن هذا التيار جديد على الشارع وقد قام بتنظيم نفسه جيدا إضافة إلى أن الفترة لم تكن كافية لدى التيارات السياسية الأخرى لتنظيم نفسها فى تحالفات تواجه التيار الإسلامى سياسيا، لكننى غير منزعج من هذا وأؤكد أن البرلمان القادم سيشهد ظاهرة النائب الذى يساوى أداؤه ودوره وتأثيره مائة نائب.

* الحديث عن «المؤامرة الخارجية» يتصاعد هذه الأيام .. فى أيام مبارك كان المكون الأمريكى والإسرائيلى هو الغالب على القرار المصرى.. كيف ترى دور أمريكا فى صناعة القرار حاليا؟
- الكلام عن الدور الأمريكى والإسرائيلى كلام يمتهن الدولة المصرية وفى وضع دولى وإقليمى معقد لا تستطيع قياس نسب وأوزان أى دولة على القرار الوطنى بهذه البساطة لكن من أهم ما جرى فى مصر بعد الثورة أن هناك نسبة كبيرة من استقلال السياسة الخارجية لمصر.

* جزء من الارتباك الحاصل يرجع إلى الإعلام كيف ترى دور الإعلام المصرى الآن؟
- هناك أزمة لا شك فيها فى مهنية وأداء الإعلام المصرى وأظن أن مجلس الشعب القادم عليه دور كبير فى ضبط أداء الإعلام المصرى من خلال تشريعات تضمن حرية تدفق المعلومــات و تمنع أى ضغوط عن الأداء الإعلامى فى إطار منظومة تشريعية متطورة.

* هل تتوقع حدوث اضطرابات كبيرة فى 25 يناير القادم ومع الاحتفالات بمرور عام على الثورة؟
- الحديث عن اضطرابات أو فوضى مبالغ فيه ويفتقد معلومات تحدد بالضبط «عمن يتحدثون» من يقولون بأن هناك مخططا لنشر الفوضى فى مصر والهدف الظاهر من تضخيم هذا منع مطالبات شعبية ضخمة فى ميدان التحرير فى أول احتفال بالثورة برحيل فورى للمجلس العسكرى وتسليم السلطة للمدنيين وكل هذا ناتج من عدم وضوح الرؤية وعدم وجود خطة محددة تسارع بإجراءات نقل السلطة منعا لاحتكاكات قد تتكرر بين الشارع وبين الدولة سواء من خلال الجيش أو الشرطة وربما لهذا قدمنا أنا والدكتور مصطفى النجار مبادرة تضمنت 7 محاور نعمل من أجل الحصول على دعم واسع لها من نواب البرلمان وفى حال ذلك ستكون من خلال هيئة منتخبة وشرعية والمبادرة تضمنت نقل السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة للبرلمان المنتخب والرئيس المنتخب فى أسرع وقت عبر تبكير الانتخابات الرئاسية لتصبح فى أول إبريل وتضمنت المبادرة دعوة مجلس الشعب المنتخب فى جلسته الأولى فى 23 يناير 2012 لاستخدام صلاحياته لتشكيل لجنة برلمانية لإدارة التفاوض مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة حول استكمال إجراءات نقل السلطة وتشكيل لجنة للتحقيق فى جميع انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداء على الأرواح التى وقعت منذ 11 فبراير الماضى وتشكيل لجنة لضمان حقوق شهداء الثورة ومصابيها الذين يتعين الاحتفاء بهم و تكريمهم فى أول جلسة للمجلس وكذلك أن ينتهى مجلس الشعب خلال أسبوعه الأول من وضع قانون انتخابات الرئاسة والدعوة لفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة فى أول فبراير مع الأخذ فى الاعتبار جميع شروط الترشح المذكورة فى الإعلان الدستورى وتنص المبادرة أيضا على الضغط والتبكير فى انتخابات الشورى بحيث تجرى على مرحلة واحدة خلال الأسبوع الأول من فبراير وفتح باب الترشح لانتخابات رئاسة الجمهورية فى نهاية فبراير وإجراء انتخابات الرئاسة فى أبريل ثم عودة القوات المسلحة لنقل صلاحيات رئيس الجمهورية للرئيس المنتخب.

* تنتشر على مواقع اليوتيوب والفيس بوك صور لبعض شباب الثورة وهم يقلدون طريقتك فى الحديث مع دعوات البعض لترشيحك فى انتخابات رئاسة الجمهورية تعبيرا عن التيار الليبرالى الحقيقى و يؤكد أصحاب هذه الدعوة أن البرادعى تعرض لحملة تشويه واسعة وأنك ربما تكون الأنسب لهذا؟
- إذا كان البعض يقلد طريقتى فى الحديث فأنا لابد أن أكون سعيدا بهذا أى أن يعتبرنى هؤلاء نموذجا يثير الاهتمام لكنى لم أفكر فى قضية الترشح للرئاسة وأركز فقط فى البرلمان المقبل باعتباره الضمانة الأساسية للتحول الديمقراطى وبدء بناء دولة عصرية طال اشتياق المصريين لها. 


كتبه محمود صالح

الأكثر مشاهدة

Trending Template